الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
وقد صح أنه عليه السلام عاد يهوديًا بجواره، قلت: أخرجه البخاري في "صحيحه [عند البخاري في "الجنائز - في باب إذا أسلم الصبي، فمات هل يصلى عليه" ص 181 - ج 1، وفي "الطب - في باب عيادة المشرك" ص 844 - ج 2، وفي "المستدرك - في الجنائز" ص 363 - ج 1، وفيه: صلوا على أخيكم.] في الجنائز" عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، قال: كان غلام يخدم النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فمرض، فأتاه النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار، انتهى. ورواه الحاكم في "المستدرك - في الجنائز"، أيضًا. وزاد: فلما مات قال لهم النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، صلوا على صاحبكم، انتهى. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووهم في ذلك، فقد رواه البخاري في موضعين: في "الجنائز - وفي الطب"، ورواه أحمد في "مسنده"، ولفظه: كان غلام يهودي يخدم النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، يضع له وضوءه، ويناوله بغلته، وليس في ألفاظهم: أنه كان جاره، لكن رواه ابن حبان في "صحيحه" في النوع الأول، من القسم الرابع بالإسناد المذكور أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ عاد جارًا له يهوديًا، انتهى. ورواه عبد الرزاق في "مصنفه - في كتاب أهل الكتاب" أخبرنا ابن جريج ثنا عبد اللّه بن عمرو بن علقمة عن ابن أبي حسين أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان له جار يهودي فمرض، فعاده رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بأصحابه، فعرض عليه الشهادتين، ثلاث مرات، فقال له أبوه في الثالثة: قل ما قال لك، ففعل، ثم مات، فأرادت اليهود أن تليه، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: نحن أولى به، وغسله النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وكفنه، وحنطه، وصلى عليه، انتهى. وروى محمد بن الحسن في "كتاب الآثار" أخبرنا أبو حنيفة عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنا جلوسًا عند النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال لنا: قوموا بنا نعود جارنا اليهودي، قال: فأتيناه، فقال له عليه السلام: كيف أنت يا فلان، ثم عرض عليه الشهادتين، ثلاث مرات، فقال له أبوه في الثالثة: يا بني اشهد، فشهد، فقال عليه السلام: الحمد للّه الذي أعتق بي نسمة من النار، انتهى. ومن طريق محمد بن الحسن، رواه ابن السني في "كتاب عمل يوم وليلة". - حديث آخر: رواه عبد الرزاق في "مصنفه" حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس، قال: مرض أبو طالب فعاده رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، انتهى. - حديث آخر: رواه البيهقي في "شعب الإيمان" في آخر الباب الثالث والستين. أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ثنا أبو علي بن أحمد بن الحسن الصواف ثنا بشر بن محمد ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ثنا يونس بن بكير حدثني سعيد بن ميسرة القيسي، سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إذا عاد رجلًا على غير الإسلام لم يجلس عنده، وقال: كيف أنت يا يهودي، كيف أنت يا نصراني، بدينه الذي هو عليه، انتهى. - الحديث الثاني والأربعون: روي أنه كان من دعائه عليه السلام: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وكلماتك التامة، قلت: رواه البيهقي في كتاب "الدعوات الكبير" أخبرنا أبو طاهر الزيادي أنبأ أبو عثمان البصري ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب ثنا عامر بن خداش ثنا عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج عن داود بن أبي عاصم عن ابن مسعود عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار، وتتشهد بين كل ركعتين، فإذا تشهدت في آخر صلاتك، فأثن على اللّه عز وجل، وصل على النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات، وقل: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، ثم قل: اللهم إني إسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، واسمك الأعظم، وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك، ثم ارفع رأسك، ثم سلم يمينًا وشمالًا، ولا تعلموها السفهاء، فإنهم يدعون بها، فيستجاب، انتهى. ورواه ابن الجوزي في "كتاب الموضوعات" من طريق أبي عبد اللّه الحاكم ثنا محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي ثنا محمد بن أشرس ثنا عامر بن خداش به، سندًا ومتنًا، قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع بلا شك، وإسناده مخبط كما ترى، وفي إسناده عمر بن هارون، قال ابن معين فيه: كذاب، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات، ويدعي شيوخًا لم يرهم، وقد صح عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ النهي عن القراءة في السجود، انتهى كلامه. وعزاه السروجي "للحلية" وما وجدته فيها. - الحديث الثالث والأربعون: قال عليه السلام: - "لهو المؤمن باطل، إلا ثلاث: تأديبه لفرسه، ومناضلته عن قوسه، وملاعبته مع أهله"، قلت": روي من حديث عقبة بن عامر الجهني، ومن حديث جابر بن عبد اللّه، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث عمر بن الخطاب. - فحديث عقبة: رواه أصحاب السنن الأربعة [عند أبي داود في "الجهاد - في باب في الرمي" ص 340 - ج 1، وعند النسائي في "الجهاد - في باب من رمى بسهم في سبيل اللّه" ص 59 - ج 2، وعند الترمذي في "فضائل الجهاد - في باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل اللّه" ص 210 - ج 1، وعند ابن ماجه في "الجهاد" ص 207] في "الجهاد"، فأبو داود، والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني أبو سلام عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر، والترمذي، وابن ماجه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن عبد اللّه بن الأزرق عن عقبة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إن اللّه ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا، ليس من اللهو ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعد ما علمه، فإنها نعمة تركها، أو قال: كفرها" انتهى. ولم يعزه المنذري في "مختصره" إلا للنسائي فقط، وهذا مما يقوي أنه كان يقلد أصحاب "الأطراف"، فإنه إذا كان يعزو مع الاختلاف في الصحابي، فبالأولى أن يعزو مع الاختلاف في التابعي، والله أعلم. - وأما حديث جابر: فأخرجه النسائي في "عشرة النساء" من ثلاث طرق دائرة على عطاء ابن أبي رباح، قال: رأيت جابر بن عبد اللّه، وجابر بن عمير الأنصاري يرميان، فملّ أحدهما، فقال الآخر: أكسلت؟ قال: نعم، فقال أحدهما للآخر: أما سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقول: كل شيء ليس من ذكر اللّه فهو لهو، ولعب، وفي لفظ: وهو سهو ولغو، إلا أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعلم الرجل السباحة، انتهى. ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" حدثنا محمد بن سلمة الجزري عن أبي عبد الرحمن خالد بن أبي يزيد عن عبد الوهاب بن بخت المكي عن عطاء بن أبي رباح به، ومن طريق إسحاق رواه الطبراني في "معجمه"، وكذلك رواه البزار في "مسنده"، وجعله من مسند جابر بن عمير، وكذلك ابن عساكر. - وأما حديث أبي هريرة: فرواه الحاكم في "المستدرك [في "المستدرك - في الجهاد" ص 59 - ج 2.] - في الجهاد" عن سويد بن عبد العزيز ثنا محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: كل شيء من لهو الدنيا باطل، إلا ثلاثة: انتضالك بقوسك، وتأديبك فرسك، وملاعبتك أهلك، فإنهن من الحق، مختصر. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، انتهى. وتعقبه الذهبي في "مختصره"، فقال: سويد بن عبد العزيز متروك، انتهى. قال ابن أبي حاتم في "كتاب العلل" سألت أبي، وأبا زرعة عن حديث رواه سويد بن عبد العزيز عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه قال: فذكره، فقالا: هذا خطأ، وهم فيه سويد إنما هو عن ابن عجلان عن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين، قال: بلغني أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال، فذكره، هكذا رواه الليث، وحاتم بن إسماعيل، وجماعة، وهو الصحيح مرسلًا، قال أبي: ورواه ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن رجل عن أبي الشعثاء عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وهو أيضًا مرسل، انتهى كلامه. - وأما حديث عمر، فرواه الطبراني في "معجمه الوسط" من حديث المنذر بن زياد الطائي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: كل لهو يكره، إلا ملاعبة الرجل امرأته، ومشيه بين الهدفين، وتعليمه فرسه، انتهى. ورواه ابن حبان في "كتاب الضعفاء"، وأعله بالمنذر، وقال: إنه يقلب الأسانيد، وينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يحتج به إذا انفرد، انتهى. - الحديث الرابع والأربعون: قال عليه السلام: - "من لعب بالشطرنج، والنردشير، فكأنما غمس يده في دم خنزير"، قلت: غريب بهذا اللفظ، والحديث في "مسلم" [عند مسلم في "كتاب الشعر - في باب تحريم اللعب بالنردشير" ص 240 - ج 2] وليس فيه ذكر الشطرنج، أخرجه عن سليمان بن بريدة عن أبيه بريدة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "من لعن بالنردشير، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير، ودمه"، انتهى. قال شيخنا أبو الحجاج المزي في "أطرافه": أخرجه مسلم في "الأدب"، ولم أجده إلا في كتاب الشعر. - أحاديث الشطرنج: أخرج العقيلي في "ضعفاءه" عن مظهر بن الهيثم ثنا شبل المصري عن عبد الرحمن بن معمر عن أبي هريرة، قال: مرّ رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ما هذه الكوبة؟ ألم أنه عنها؟! لعن اللّه من يلعب بها، انتهى. وأعله بمطهر بن الهيثم، وقال: لا يصح حديثه، وقال: وشبل، وعبد الرحمن مجهولان، انتهى. وذكره ابن حبان في "كتاب الضعفاء"، وأعله بمطهر، وقال: إنه منكر الحديث، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، انتهى. - حديث آخر: رواه ابن حبان في "كتاب الضعفاء" عن محمد بن الحجاج ثنا حزام بن يحيى عن مكحول عن واثلة بن الأسقع عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: إن للّه عز وجل في كل يوم ثلثمائة وستين نظرة، لا ينظر فيها إلى صاحب الشاه - يعني الشطرنج - ، انتهى. ثم قال: ومحمد بن الحجاج أبو عبد اللّه المصغر منكر الحديث جدًا، لا تحل الرواية عنه، انتهى. ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" من طريق الدارقطني عن ابن حبان بسنده المذكور، ثم قال: ومحمد بن الحجاج يقال له: أبو عبد اللّه المصغر، قال الإمام أحمد: تركت حديثه، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال مسلم، والنسائي، والدارقطني: متروك، انتهى. - الحديث الخامس والأربعون: قال عليه السلام: - "ما ألهاك عن ذكر اللّه فهو ميسر"، قلت: غريب مرفوعًا، ورواه أحمد في "كتاب الزهد" من قول القاسم بن محمد، فقال: حدثنا ابن نمير ثنا حفص عن عبيد اللّه عن القاسم بن محمد، قال: كل ما ألهى عن ذكر اللّه، وعن الصلاة فهو ميسر، انتهى. ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" في الباب الحادي والأربعين، أخبرنا أبو الحصين بن بشران ثنا الحسين بن صفوان ثنا عبد اللّه بن أبي الدنيا ثنا علي بن الجعد ثنا أبو معاوية عن عبد اللّه بن عمر أنه قال للقاسم بن محمد: هذه النرد تكرهونها، فما بال الشطرنج؟ قال: كل ما ألهى عن ذكر اللّه، وعن الصلاة، فهو الميسر، انتهى. - الحديث السادس والأربعون: روي أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قبل هدية سلمان، حين كان عبدًا، قلت: روي من حديث سلمان، ومن حديث بريدة. - أما حديث سلمان: فله طرق: منها ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه" في النوع الثالث والثلاثين، من القسم الخامس عن عبد اللّه بن رجاء ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي قرة الكندي عن سلمان، قال: كان أبي من الأساورة، وكنت أختلف إلى الكتاب، وكان معي غلامان، إذا رجعا من الكتاب دخلا على قس، فأدخل معهما، فلم أزل أختلف إليه معهما، حتى صرت أحب إليه منهما، وكان يقول لي: يا سلمان إذا سألك أهلك من حبسك؟ فقل: معلمي، وإذا سألك معلمك من حبسك؟ فقل: أهلي، فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فلما مات - واجتمع إليه الرهبان، والقسيسون - سألتهم، فقلت: يا معشر القسيسين! دلوني على عالم أكون معه، قالوا: ما نعلم في الأرض، أعلم من رجل كان يأتي بيت المقدس، وإن انطلقت الآن وجدت حماره على باب بيت المقدس، قال: فانطلقت، فإذا أنا بحمار، فجلست عنده، حتى خرج، فقصصت عليه القصة، فقال: اجلس، حتى أرجع إليك، قال: فلم أره إلى الحول، وكان لا ياتي بيت المقدس إلا في السنة مرة في ذلك الشهر، فلما جاء، قلت له: ما صنعت في أمري؟ قال: وأنت إلى الآن ههنا بعد؟ قلت: نعم، قال: والله لا أعلم اليوم أحدًا أعلم من يتيم خرج في أرض تهامة، وإن تنطلق الآن توافقه، وفيه ثلاثة أشياء: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وعند غضروف كتفه اليمين خاتم النبوة، مثل البيضة، لونه لون جلده، قال: فانطلقت ترفعني أرض، وتخفضني أخرى حتى أصابني قوم من الأعداء، فأخذوني، فباعوني حتى وقعت بالمدينة، فسمعتهم يذكرون النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وكان العيش عزيزًا، فسألت قومي أن يهبوا لي يومًا، ففعلوا، فانطلقت، فاحتطبت، فبعته بشيء يسير، ثم صنعت به طعامًا، واحتملته حتى جئت به، فوضعته بين يديه، فقال عليه السلام: ما هذا؟ قلت: صدقة، فقال لأصحابه: كلوا، وأبى هو أن يأكل، فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم مكثت ما شاء اللّه، ثم استوهبت قومي يومًا آخر، ففعلوا، فانطلقت، فاحتطبت، فبعته بأفضل من ذلك، فصعنت طعامًا، وأتيته به فقال: ما هذا؟ قلت: هدية، فقال بيده: بسم اللّه كلوا، فأكل، وأكلوا معه، وقمت إلى خلفه، فوضع رداءه عن كتفه، فإذا خاتم النبوة، كأنه بيضة، قلت: أشهد أنك رسول اللّه، قال: وما ذاك؟ فحدثته حديثي، ثم قلت: يا رسول اللّه، القس الذي أخبرني أنك نبيّ، أيدخل الجنة؟ قال: لن تدخل الجنة إلا نفس مسلمة، قلت: إنه زعم أنك نبي، قال: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، انتهى. - طريق آخر: أخرجه الحاكم في "المستدرك [في المستدرك - في مناقب سلمان الفارسي" ص 599 - ج 3] - في كتاب الفضائل" عن علي بن عاصم ثنا حاتم بن أبي صُغَيرة عن سماك بن حرب عن زيد بن صوحان أنه سأل سلمان، كيف كان بدء إسلامك؟ فقال سلمان: كنت يتيمًا من رامهرمز، فذكره مطولًا، إلى أن قال: فقال لي - يعني الراهب الذي لازمه سلمان - يا سلمان إن اللّه عز وجل باعث رسولًا اسمه أحمد، يخرج بتهامة علامته، أنه يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم، وهذا زمانه، فقد تقارب، قال: فخرجت في طلبه، فكلما سألت عنه، قالوا لي: أمامك، حتى لقيني ركب من كلب، فأخذوني، فأتوا بي بلادهم، باعوني لامرأة من الأنصار، فجعلتني في حائط لها، وقدم رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فأخذت شيئًا من تمر حائطي، فجعلته على شيء، وأتيته فوضعته بين يديه، وحوله أصحابه، وأقربهم إليه أبو بكر، فقال: ما هذا؟ قلت: صدقة، فقال للقوم: كلوا، ولم يأكل، ثم لبثت ما شاء اللّه، وذهبت، فصنعت مثل ذلك، فلما وضعته بين يديه، قال: ما هذا؟ قلت: هدية، فقال: بسم اللّه، وأكل، وأكل القوم، ودرت خلفه، ففطن لي، فألقى ثوبه، فرأيت الخاتم في ناحية كتفه الأيسر، ثم درت، فجلست بين يديه، قلت: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأنك رسول اللّه، قال: من أنت؟ قلت: مملوك، قال: لمن؟ قلت: لامرأة من الأنصار، جعلتني في حائط لها، فسألني، فحدثته جميع حديثي، فقال عليه السلام لأبي بكر: يا أبا بكر اشتره، فاشتراني أبو بكر، فأعتقني، مختصر، وقال: حديث صحيح، ولم يخرجاه، قال الذهبي في "مختصره": بل مجمع على ضعفه، ثم أخرجه الحاكم [في "المستدرك - في الفضائل" ص 603 - ج 3.] عن عبد اللّه بن عبد القدوس عن عبيد المكتب حدثني أبو الطفيل حدثني سلمان، فذكره بزيادات ونقص، وقال: صحيح الإسناد، قال الذهبي: وابن عبد القدوس ساقط، انتهى.- طريق آخر: رواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" [لم أجد هذه الرواية في النسخة المطبوعة من "الدلائل" وفيها سقطات وغلطات] في الباب التاسع عشر، حدثنا عبد اللّه ابن محمد بن جعفر ثنا القاسم بن فورك ثنا عبد اللّه بن أخي زياد ثنا سيار بن حاتم ثنا موسى بن سعيد الراسبي أبو معاذ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمان الفارسي، قال: ولدت برامهرمز، ونشأت بها، وكان أبي من أهل أصبهان، وكان لأمي غنى، وعيش، قال: فأسلمتني أمي إلى الكتاب، فكنت أنطلق إليه في كل يوم مع غلمان فارس، وكان في طريقنا جبل فيه كهف، فمررت يومًا وحدي، فإذا أنا فيه برجل طوال عليه ثياب شعر، فأشار إلي فدنوت منه، فقال لي: أتعرف المسيح عيسى ابن مريم؟ قلت له: لا، ولا سمعت به، قال: هو روح اللّه، من آمن به أخرجه اللّه من غم الدنيا إلى نعيم الآخرة، وقرأ علي شيئًا من الإنجيل، قال: فعلقه قلبي ودخلت حلاوة الإنجيل في صدري، وفارقت أصحابي، وجعلت كلما ذهبت ورجعت قصدت نحوه، إلى أن قال: فخرجت إلى القدس، فلما دخلت بيت المقدس إذا أنا برجل في زاوية من زواياه، عليه المسوح، قال: فجلست إليه، وقلت له: أتعرف فلانًا الذي كان بمدينة فارس؟ فقال لي: نعم أعرفه، وأنا انتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي، قلت: كيف وصفه لك؟ قال: وصفه لي، فقال: إنه نبي الرحمة، يقال له: محمد بن عبد اللّه، يخرج من جبال تهامة، يركب الحمار والبغلة، الرحمة في قلبه وجوارحه، يكون الحر والعبد عنده سواء، ليس للدنيا عنده مكان، بين كتفيه خاتم النبوة، كبيضة الحمامة، مكتوب في باطنه اللّه وحده لا شريك له، وفي ظاهره توجه حيث شئت، فإنك منصور، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، ليس بحقود ولا حسود، لا يظلم مؤمنًا ولا كافرًا، فمن صدقه ونصره كان يوم القيامة معه في الأمر الذي يعطاه، قال سلمان: فقمت من عنده، وقلت: لعلي أقدر على هذا الرجل، فخرجت من بيت المقدس غير بعيد، فمر بي أعراب من كلب، فاحتملوني إلى يثرب، وسموني ميسرة، قال: فباعوني لامرأة يقال لها: حليسة بنت فلان - حليف لبني النجار - بثلثمائة درهم، وقالت لي: سف هذا الخوص [قوله: سف الخوص من سف الخوص، أي نسجها، كما في "النهاية] واسع على بناتي، قال: فمكثت على ذلك ستة عشر شهرًا، حتى قدم رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ المدينة، فسمعت به، وأنا في أقصى المدينة ألتقط الخلال [قوله: التقط الخلال - يعني البسر أول إدراكه - واحدتها خلالة - بالفتح - انتهى] فجئت إليه أسعى حتى دخلت عليه في بيت أبي أيوب الأنصاري، فوضعت بين يديه شيئًا من الخلال، فقال لي: ما هذا؟ قلت: صدقة، قال: إنا لا نأكل الصدقة، فرفعته من بين يديه، ثم تناولت من إزاري شيئًا آخر، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت: هدية، فأكل منه، وأطعم من حوله، ثم نظر إليّ فقال لي: أحر أنت أم مملوك؟ قلت: مملوك، قال: فلم وصلتني بهذه الهدية؟ قلت: كان لي صاحب من أمره كيت وكيت، وذكرت له قصتي كلها، فقال لي: إن صاحبك كان من الذين قال اللّه في حقهم: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، وإذا يتلى عليهم قالوا: آمنا به} [القصص: 52] الآية، ثم قال لي عليه السلام: هل رأيت فيّ ما قال لك؟ قلت: نعم، إلا شيئًا بين كتفيك، قال: فألقى عليه السلام رداءه عن كتفه، فرأيت الخاتم مثل ما قال، فقبلته، ثم قلت: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأنك رسول اللّه، ثم قال عليه السلام لعلي بن أبي طالب: يا علي اذهب مع سلمان إلى حليسة، فقل لها: إن رسول اللّه يقول لك: إما أن تبيعينا هذا، وإما تعتقيه، فقد حرمت عليك خدمته، فقلت: يا رسول اللّه إنها لم تسلم، قال: يا سلمان ألم تدر ما حدث بعدك عليها، دخل عليها ابن عم لها، فعرض عليها الإسلام فأسلمت، قال سلمان: فانطلقت إليها أنا، وعلي بن أبي طالب فوافيناها، تذكر محمدًا ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وأخبرها علي بما قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقالت له: اذهب إليه، فقل له: يا رسول اللّه إن شئت فاعتقه، وإن شئت فهو لك، قال: فأعتقني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وصرت أغدو إليه وأروح، وتعولني حليسة، مختصر، ثم رواه من طريق أخرى مرسلة، فقال: حدثنا إبراهيم بن عبد اللّه ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا قتيبة بن سعد ثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن سلمان كان قد خالط أناسًا من أصحاب دانيال بأرض فارس، قبل الإسلام، فسمع بذكر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وصفته منهم، فإذا في حديثهم: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة، فأراد أن يلحق به، فسجنه أبوه ما شاء اللّه، ثم هلك أبوه، ثم خرج إلى الشام، فكان هناك في كنيسة، ثم خرج يلتمس رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فأخذه أهل يتماء فاسترقوه، ثم قدموا به إلى المدينة، فباعوه، ورسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يومئذ بمكة، لم يهاجر، فلما هاجر إلى المدينة أتاه سلمان بشيء، فقال له: ما هذا يا سلمان؟ قال: صدقة، فلم يأكل عليه السلام منه، ثم جاءه من الغد بشيء آخر، فقال له: ما هذا يا سلمان؟ قال: هدية فأكل عليه السلام منه، ونظر سلمان إلى خاتم النبوة بين كتفي النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فأكب عليه، وقبله، ثم أسلم، وأخبر النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه عبد مملوك، فقال له: كاتبهم يا سلمان، فكاتبهم سلمان على مائتي ودية، فرماه الأنصار من ودية ووديتين، حتى أوفاهم، انتهى. وهذا مرسل. - وأما حديث بريدة: فأخرجه الحاكم في "المستدرك [في "المستدرك - في البيوع" ص 16 - ج 2.] - في كتاب البيوع" عن زيد بن الحباب ثنا حسين بن واقد عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه أن سلمان الفارسي لما قدم المدينة أتى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بمائدة عليها رطب، فقال له: ما هذا يا سلمان؟ قال: صدقة تصدقت بها عليك، وعلى أصحابك، قال: إنا لا نأكل الصدقة، حتى إذا كان من الغد جاء بمثلها، فوضعها بين يديه، فقال: يا سلمان ما هذا؟ قال: هدية، فقال: كلوا، وأكل، ونظر إلى الخاتم في ظهره، ثم قال له: لمن أنت؟ قال: لقوم، قال: فاطلب إليهم أن يكاتبوك على كذا وكذا، نخلة أغرسها لهم، وتقوم عليها أنت، حتى تطعم، قال: ففعلوا، فجاء النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فغرس ذلك النخل كلها بيده، وغرس عمر منها نخلة، فأطعمت كلها في السنة إلا تلك النخلة، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: من غرس هذه؟ فقالوا: عمر، فغرسها رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بيده، فحملت من سنتها، انتهى. ورواه إسحاق بن راهويه، وأبو يعلى الموصلي، والبزار في "مسانيدهم" قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم، وقال البزار: لا نعلمه يروى إلا عن بريدة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ورواه الطبراني في "معجمه". (يتبع...) (تابع... 1): - الحديث السادس والأربعون: روي أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قبل هدية... ... - وأما حديث ابن عباس: فرواه الحاكم أيضًا [قلت: وجدته في "المستدرك - في البيوع" ولكن لا بهذا الطول] من طريق ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر ابن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس، قال: حدثني سلمان الفارسي، قال: كنت رجلًا فارسيًا من أهل أصبهان، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب الخلق إليه، وكنت أجتهد في المجوسية، أوقد النار، لا أتركها تخمد أبدًا اجتهادًا في ديني، فأرسلني أبي يومًا إلى ضيعة له في بعض عمله، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم، وهم يصلون، فدخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون، فأعجبني ما رأيت من دينهم، ورغبت عن ديني، فلما رجعت إلى أبي أخبرته الخبر، فأخافني، وجعل في رجلي قيدًا، وحبسني في بيت أيامًا، ثم أخبرت بقوم من النصارى خرجوا تجارًا إلى الشام، قال: فألقيت القيد من رجلي، وخرجت معهم حتى قدمت الشام، فسألت عن الأسقف من النصارى، فدلوني عليه في كنيسة لهم، فجئت إليه، وخدمته ولازمته، وكنت أصلي معه، فلم يلبث أن مات - وكان رجل سوء - يأمرهم بالصدقة، فإذا جمعوا له شيئًا اكتنزه لنفسه، ولم يعط المساكين منه شيئًا، فلما جاءوا ليدفنوه أخبرتهم بخبره، ودللتهم على موضع كنزه، فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وفضة، فصلبوه، ورجموه بالحجارة، ثم جاءوا بآخر، فوضعوه مكانه، قال: فما رأيت أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب في العبادة ليلًا ونهارًا منه، فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته، فأوصى بي إلى رجل بنصيبين، فلحقت به، فلازمته، فوجدته على أمر صاحبه، فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته، فأوصى بي إلى رجل في عمورية من أرض الروم، فلحقت به، ولازمته، فوجدته على هدى أصحابه، فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فقال لي: والله يا بني ما أعلم أصبح اليوم على أمرنا أحد من الناس، ولكنه قد أظلك زمن نبي، يخرج بأرض العرب، يبعث بدين إبراهيم، به علامات، لا تخفى، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد، فافعل، ثم مات ودفن، قال: فمكثت بعمورية ما شاء اللّه، ثم مر بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم بقري وغنمي؟ وقد اكتسبت بقرًا وغنمًا، فقالوا: نعم، فأعطيتهم، وحملوني، حتى إذا قدموا بي على وادي القرى، ظلموني، فباعوني من رجل يهودي، فكنت عنده ما شاء اللّه، إذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعني منه، وحملني إلى المدينة، فأقمت بها، وبعث اللّه رسوله بمكة، فأقام بها ما أقام، لا أسمع له بذكر، مع ما أنا فيه من شغل الرق، حتى قدم رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ المدينة، فذهبت إليه، فدخلت عليه، فقلت له: بلغني أنك رجل صالح، وأصحابك غرباء، ذوو حاجة، وهذا شيء عندي للصدقة، رأيتكم أحق به، ثم قربته إليه، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لأصحابه: كلوا، وأمسك يده، ولم يأكل، فقلت في نفسي: هذه واحدة، ومضيت، ثم جئته من الغد، ومعي شيء آخر، فقلت له: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية، أكرمتك بها، فأكل رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وأمر أصحابه، فأكلوا، قال: فقلت في نفسي: هاتان ثنتان، قال: ثم جئته يومًا وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدبرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فعرف الذي أريد، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه، فقبلته، ثم تحولت، فجلست بين يديه، فقصصت عليه حديثي، فأعجبه، وكان يعجبه أن يسمعه أصحابه، ثم قال لي: يا سلمان كاتب عن نفسك، قال: فكاتبت مولاتي عن نفسي بثلثمائة نخلة، وأربعين أوقية، ورجعت إليه، فأخبرته، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لأصحابه: أعينوا أخاكم، فجعل الرجل منهم يعينني بثلاثين ودية، والرجل بخمس عشرة ودية، والرجل بعشر، والرجل بقدر ما عنده، حتى جمعوا لي ثلثمائة ودية، فخرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ معي، فجعلت أقرب له الودى، وهو يغرسه بيده، قال: وبقي علي المال، فأتى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بمثل بيضة الدجاجة من ذهب. فقال لي: يا سلمان خذ هذه، فأدها بما عليك، فقلت: يا رسول اللّه، وأين تقع هذه مما علي؟ قال: خذها، فإنها ستؤدي عنك، قال سلمان: فوالذي نفس سلمان بيده لقد وزنت لهم منها بيدي أربعين أوقية، وأوفيتهم حقهم، وعتق سلمان، وششهدت الخندق حرًا، ثم لم يفتني مشهد، مختصر من كلام طويل، ورواه أبو نعيم في "دلائل النبوة"، وابن سعد في "الطبقات [قلت: لم أجد في ابن سعد في "ترجمة سلمان الفارسي" بهذا السياق، والله أعلم] في ترجمة سلمان"، ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام "في كتاب الأموال" مختصرًا بالإسناد المذكور عن سلمان، قال: أتيت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بطعام، وأنا مملوك، فقلت له: هذا صدقة، فأمر أصحابه أن يأكلوا، ولم يأكل، ثم أتيته بطعام آخر، فقلت، هذا هدية لك، أكرمك به، فإني لا أراك تأكل الصدقة، فأمر أصحابه أن يأكلوا، وأكل معهم، انتهى. وكان هذا الإسناد داخلًا في - مسند سلمان - والله أعلم. - الحديث السابع والأربعون: روي أنه عليه السلام قبل هدية بريرة، وكانت مكاتبة، قلت: حديث بريرة في الكتب الستة عن عائشة، قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: أراد أهلها أن يبيعوها، ويشترطوا ولاءها، فذكرت ذلك للنبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فقال: اشتريها، واعتقيها، فإن الولاء لمن أعتق، وعتقت، فخيرها رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ من زوجها، فاختارت نفسها، وكان الناس يتصدقون عليها، وتهدي لنا، فذكرت ذلك للنبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فقال: هو عليها صدقة، ولنا هدية، انتهى. أخرجه البخاري [عند البخاري في "النكاح - في باب الحرة تحت العبد" ص 763 - ج 2، وفي "الطلاق - في باب لا يكون بيع الأمة طلاقًا" ص 795 - ج 2، وعند مسلم في "العتق" ص 494 - ج 1، وفي "الزكاة" 345 - ج 1 وعند أبي داود في "الطلاق - في باب المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد" ص 304 - ج 1، وعند النسائي في "الطلاق - في باب خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك" ص 106 - ج 2، وعند الترمذي في "الرضاع - في باب ما جاء في الأمة تعتق ولها زوج" ص 149، وعند ابن ماجه في "الطلاق - في باب خيار الأمة إذا أعتقت" ص 202] في "النكاح - والطلاق"، ومسلم في "العتق"، وأبو داود في "االطلاق"، والنسائي - فيه، وفي عتق أربعتهم - عن القاسم عن عائشة، والترمذي في "الرضاع"، وابن ماجه في "الطلاق" عن الأسود عن عائشة، وألفاظهم متقاربة، وأخرجا نحوه عن قتادة عن أنس، أخرجه مسلم [عند البخاري في "الزكاة - في باب إذا تحولت الصدقة" ص 202، وفي "الهبة - في باب قبول الهدية" ص 350 - ج 2، وعند مسلم في "الزكاة" ص 345 - ج 1.] في "الزكاة"، ولم أجد في شيء من طرق الحديث أان الهدية وقعت حين كانت مكاتبة، ولكن روى عبد الرزاق في "مصنفه - في الطلاق" أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عروة بن الزبير يقول: جاءت وليدة لبني هلال، يقال لها: بريرة تسأل عائشة في كتابتها، فسامت عائشة بها أهلها، فقالوا: لا نبيعها إلا ولنا ولاؤها، فتركتها، وقالت: يا رسول الله أبوا أن يبيعوها إلا ولهم ولاؤها، قال: لا يمنعك ذاك، فإنما الولاء لمن أعتق، فابتاعتها عائشة، فأعتقتها، وخيرت بريرة فاختارت نفسها، وقسم لها النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ شاة، فهدت لعائشة منها، فقال النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: هل عندكم من طعام؟ قالت: لا إلا من الشاة التي أعطيت بريرة، فنظر ساعة، ثم قال: قد وقعت موقعها، هي عليها صدقة، وهي لنا منها هدية، فأكل منها، قال: زعم عروة أنها ابتاعتها مكاتبة على ثمانية أواق، ولم تعط من كتابتها شيئًا، انتهى. ورواه البزار في "مسنده" كذلك، وروى عبد الرزاق في "المكاتب" أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير عن عروة أن عائشة ابتاعت بريرة مكاتبة على ثمان أواق، لم تقض من كتابتها شيئًا، انتهى. - قوله: روي أنه أجاب رهط من الصحابة دعوة مولى أبي أسيد، قلت: غريب، وتنظر "ترجمة أسيد [أسيد بن علي بن عبيد الساعدي الأنصاري، مولى أبي أسيد، وقيل: من ولده، والأول أكثر، وهو أسيد بن أبي أسيد، وقال أبو نعيم: بالضم، روى عن أيه عن أبي أسيد، وقيل: عن أبيه عن جده، عن أبي أسيد، قال ابن ماكولا، وغيره: جعله البخاري، وغيره رجلين، وهما واحد، وتبع البخاري ابن حبان في "الثقات" في التفرقة بين أسيد بن أبي أسيد، وبين أسيد بن علي، وأقر البخاري على التفرقة، وأبو زرعة، وأبو حاتم، انتهى. من "التهذيب" ص 346 - ج 1] - مولى أبي أسيد الساعدي - في أسماء الرجال"، والمصنف استدل به على جواز إجابة العبد، وفيه حديث مرفوع: أخرجه الترمذي في "الجنائز"، وابن ماجه [عند الترمذي في "الجنائز - في باب بعد باب ما جاء في قتلى أحد" ص 133 - ج 1، وعند ابن ماجه في "الزهد - في باب البراءة من الكبر والتواضع" ص 318، وفي "المستدرك - في الأطعمة" ص 119 - ج 4] في "الزهد" عن مسلم الأعور عن أنس بن مالك، قال: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، ولقد كان يوم خيبر، ويوم قريظة على حمار، خطامه حبل من ليف، وتحته أكاف من ليف، اانتهى. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث مسلم بن كيسان الأعور، وهو يضعف، انتهى. وأخرجه الحاكم في "المستدرك - في الأطعمة"، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، انتهى. - قوله: ولأن التداوي، مباح وقد ورد بإباحته الحديث، قلت: يشير إلى حديث: تداووا فإن اللّه جعل لكل داء دواء، وقد روي من حديث أسامة بن شريك، ومن حديث أبي الدرداء، ومن حديث أنس، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث ابن مسعود، وأبي هريرة. - فحديث أسامة: أخرجه أصحاب السنن الأربعة [عند الترمذي في "الطب - في باب ما جاء في الدواء، والحث عليه" ص 25 - ج 2، وعند أبي داود في "الطب - في باب الرجل يتداوى" ص 183 - ج 2، وعند ابن ماجه في "الطب - في باب "ما أنزل اللّه داء إلا أنزل له شفاء" ص 253.] عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك، قال: أتيت االنبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وأصحابه كأنما على رءُوسهم الطير، فسلمت، ثم قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يا رسول اللّه أنتداوى؟ فقال: تداووا، فإن اللّه عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء الهرم، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد، وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم"، ولفظ ابن راهويه فيه: فإن اللّه لم ينزل داء إلا أنزل له دواء إلا الموت، قالوا: يا رسول اللّه، فما أفضل ما أعطي العبد؟ قال: خلق حسن، قال: فلما قاموا من عنده جعلوا يقبلون يده، قال شريك: فضممت يده إلي، فإذا هي أطيب من المسك، انتهى. وبلفظ السنن رواه البخاري في "كتابه المفرد في الأدب"، والطبراني في "معجمه"، وابن حبان في "صحيحه" في النوع السبعين، من القسم الأول، والحاكم في "المستدرك [في "المستدرك - في كتاب العلم" ص 121 - ج 1.] - في كتاب العلم"، وقال: حديث صحيح، ولم يخرجاه، وعلته عندهما أن أسامة بن شريك لا يروي عنه غير زياد بن علاقة، قال: وله طرق أخرى، نذكرها في "كتاب الطب" إن شاء اللّه تعالى، ورواه في "كتاب الطب" [في "المستدرك - في الطب" ص 399، وص 400 - ج 4، وص 198 - ج 4، فروى هذا الحديث زياد بن علاقة الأعمش، والمطلب بن زياد، والمسعودي، وأبو إسحاق الشيباني، وسلام بن سليمان، ومالك بن مغول، وعمرو بن قيس الملائي، وشعبة، ومحمد بن جحادة، وأبو حمزة السكري، وأبو عوانة، وسفيان بن عيينة، وعثمان ابن حكيم، وشيبان بن حكيم، وورقاء بن عمرو، وزهير بن معاوية، وإسرائيل بن يونس، ومسعر بن كدام، وعمرو ابن أبي قيس، ومحمد بن بشر بن بشير الأسلمي] عن مسعر بن كدام عن زياد بن علاقة به، وقال: صحيح الإسناد، وقد رواه عشر من أئمة المسلمين، وثقاتهم عن زياد بن علاقة، مالك بن مغول، وعمرو بن قيس الملائي، وشعبة، ومحمد بن جحادة، وأبو حمزة محمد بن ميمون السكري، وأبو عوانة، وسفيان بن عيينة، وعثمان بن حكيم الأودي، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي، وورقاء بن عمر اليشكري، وزهير ابن معاوية الجعفي، وإسرائيل بن يونس السبيعي، ثم أخرج أحاديثهم الجميع، ثم قال: فانظر هل يترك مثل هذا الحديث على اشتهاره، وكثرة رواته، بأن لا يوجد له عن الصحابي إلا تابعي واحد؟ قال: وسألني الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، لم أسقط الشيخان حديث أسامة بن شريك من الكتابين؟ فقلت له: لأنهما لم يجدا لأسامة بن شرك راويًا غير زياد بن علاقة، فقال لي أبو الحسن، وكتبه لي بخطه: قد أخرجا جميعًا حديث قيس بن أبي حازم عن عدي بن عميرة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: من استعملناه على عمل، الحديث، وليس لعدي بن عميرة راو غير قيس، وأخرجا أيضًا حديث الحسن عن عمرو بن تغلب، وليس له راو غير الحسن، وأخرجا أيضًا حديث مجزأة بن زاهر الأسلمي عن أبيه عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في النهي عن لحوم الحمر الأهلية، وليس لزاهر راو غير مجزأة، وقد أخرج البخاري حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: يذهب الصالحون أسلافا، وليس لمرادس راو غير قيس، وقد أخرج البخاري أيضًا حديثين عن زهرة ابن معبد عن جده عبد اللّه بن هشام بن زهرة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وليس لعبد اللّه راو غير زهرة، وحديث أسامة بن شريك أصح، وأشهر، وأكثر رواة من هذه الأحاديث، مع أن أسامة بن شريك قد روى عنه علي بن الأقمر، ومجاهد، انتهى. وقال الحاكم في "كتاب الإيمان - من المستدرك" [في "المستدرك - في كتاب الإيمان" ص 25 - ج 1، وقال الحاكم في حديث يزيد بن المقدام بن شريح عن أبيه المقدام عن أبيه عن هانى، انتهى: هذا حديث مستقيم، وليس له علة، ولم يخرجاه، والعلة عندهما فيه أن هاني ابن يزيد ليس له راو غير ابنه شريح، وقد قدمت الشرط في أول هذا الكتاب أن الصحابي المعروف إذا لم نجد له راويا غير تابعي واحد معروف احتججنا به، وصححنا حديثه، إذ هو على شرطهما جميعًا، فإن البخاري قد احتج بحديث قيس عن عدي بن عميرة، انتهى. فلزمهما جميعًا على شرطهما الاحتجاج بحديث شريح عن أبيه، فإن المقدام، وأباه شريحًا من أكابر التابعين، انتهى.] في حديث أبي الأحوص عن أبيه مرفوعًا، إن اللّه إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن ترى عليه: لم يخرج الشيخان هذا الحديث، لأن مالك بن نضلة ليس له راو غير ابنه أبي الأحوص، وقد أخرج مسلم عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه، وليس له راو غير ابنه، وكذلك عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه، وليس له راو غير ابنه، انتهى كلامه. - وأما حديث أبي الدرداء، فأخرجه أبو داود في "سننه" [عند أبي داود في "الطب - في باب الأدوية المكروهة" ص 185 - ج 2] عن إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم عن أبي عمران الأنصاري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: إن اللّه أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام، انتهى. - وأما حديث أنس: فرواه أحمد في "مسنده"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" قالا: حدثنا يونس بن محمد ثنا حرب بن ميمون، قال: سمعت عمران العمِّي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: إن اللّه عز وجل حيث خلق الداء خلق الدواء، فتداووا، انتهى. وعن ابن أبي شيبة: رواه أبو يعلى في "مسنده". - وأما حديث ابن عباس: فرواه إسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد في "مسنديهما"، قال الأول: حدثنا الفضل بن موسى، وقال الثاني: حدثنا محمد بن عبيد، قالا: ثنا طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "يا أيها الناس تداووا، فإن اللّه عز وجل لم يخلق داء إلا وقد خلق له شفاء، إلا السام، والسام الموت"، انتهى. ورواه الطبراني في "معجمه" عن طلحة بن عمرو به، ورواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" من طريق عبد اللّه بن وهب عن طلحة. - وأما حديث ابن مسعود: فرواه البيهقي في "شعب الإيمان" في الباب التاسع والثلاثين حدثنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد ثنا الحسن بن علي بن المتوكل ثنا أبو الربيع ثنا أبو وكيع الجراح بن مليح عن قيس بن مسلم عن طارق ابن شهاب عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رجل: يا رسول اللّه نتداوى؟ قال: نعم، تداووا، فإن اللّه عز وجل لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء، انتهى. قال البيهقي: وقد تابعه أبو حنيفة، وأيوب بن عائذ عن قيس في رفعه، انتهى. قلت: كذلك أخرجه أبو نعيم في "كتاب المفرد - في الطب" عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رضي اللّه عنه، وأيوب بن عائذ الطائي عن قيس به مرفوعًا، والله أعلم. - وأما حديث أبي هريرة: فرواه القضاعي في - مسند الشهاب - أخبرنا عبد الرحمن بن الصفار ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا سعيد بن عتاب ثنا ابن أبي سمينة ثنا بكر بن بكار ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "تداووا، فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء"، انتهى. ورواه أبو نعيم في "كتاب الطب" من حديث معتمر بن سليمان عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا، نحوه سواء. - الحديث الثامن والأربعون: روي أنه عليه السلام بعث عتاب بن أسيد إلى مكة، وفرض له، وبعث عليًا إلى اليمن، وفرض له، قلت: غريب، وروى الحاكم في "المستدرك [في "المستدرك - في مناقب عتاب بن أسيد الأموي" ص 595 - ج 3] - في كتاب الفضائل" من طريق إبراهيم الحربي ثنا مصعب بن عبد اللّه الزبيري، قال: استعمل رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ عتاب بن أسيد على مكة، وتوفي رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وهو عامله عليها. ومات عتاب بمكة في جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة، ثم أسند إلى عمرو بن أبي عقرب، قال: سمعت عتاب بن أسيد - وهو مسند ظهره إلى الكعبة - يقول: والله ما أصبت في عملي هذا الذي ولاني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إلا ثوبين معقدين، فكسوتهما مولاي، انتهى. وسكت عنه، وروى ابن سعد في "الطبقات - في ترجمة عتاب" [قلت: لم أجد الروايتين في ترجمة عتاب، عند ابن سعد، لعلهما سقطتا من النسخة المطبوعة] أخبرنا محمد بن عمر الواقدي ثنا إبراهيم بن جعفر عن أبيه، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز في خلافته يقول: قبض رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وعتاب بن أسيد عامله على مكة، كان ولاه يوم الفتح، فلم يزل عليها حتى توفي رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، أخبرنا الضحاك بن مخلد الشيباني ثنا خالد ابن أبي عثمان بن خالد بن أسيد عن مولى لهم، أراه ابن كيسان، قال: قال عتاب بن أسيد: ما أصبت منذ وليت عملي هذا إلا ثوبين معقدين، كسوتهما مولاي كيسان، انتهى. وذكر أصحابنا أنه عليه السلام فرض له سنة أربعين أوقية، والأوقية أربعون درهمًا، وتكلموا في المال الذي رزقه، ولم تكن يومئذ الدواوين، ولا بيت المال، فإن الدواوين وضعت زمن عمر، فقيل: رزقه مما أفاء اللّه عليه، وقيل: من المال الذي أخذه من نصارى نجران، والجزية التي أخذها من مجوس هجر. وذكر أبو الربيع بن سالم أنه عليه السلام فرض له كل يوم درهمًا، وفي البخاري [ذكره البخاري في "الأحكام - في باب رزق الحاكم، والعاملين عليها" ص 1061 - ج 2] في "باب رزق الحكام والعاملين عليها"، وكان شريح يأخذ على القضاء أجرًا، وقالت عائشة: يأكل الوصي بقدر عمالته، وأكل أبو بكر، وعمر، انتهى. وفي "مصنف عبد الرزاق" أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم أن عمر بن الخطاب رزق شريحًا، وسلمان بن ربيعة الباهلي على القضاء، انتهى. وروى ابن سعد في "الطبقات [ذكره ابن سعد في "ترجمة شريح القاضي" ص 95 - ج 4.] - في ترجمة شريح" أخبرنا الفضل بن دكين ثنا الحسن بن صالح عن ابن أبي ليلى، قال: بلغني أن عليًا رزق شريحًا خمسمائة، انتهى. وروى في "ترجمة زيد بن ثابت" أخبرنا عفان بن مسلم ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا الحجاج بن أرطأة عن نافع، قال: استعمل عمر بن الخطاب زيد بن ثابت على القضاء، وفرض له رزقًا، انتهى. وروى في "ترجمة أبي بكر" [في "الطبقات في ترجمة أبي بكر الصديق" ص 130، وص 131، وص 132 في القسم الأول، من الجزء الثالث.] أخبرنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام الدستوائي ثنا عطاء بن السائب، قال: لما استخلف أبو بكر رضي اللّه عنه أصبح غاديًا إلى السوق يحمل ثيابًا على رقبته، ليتجر فيها، فلقيه عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالا له: إلى أين يا خليفة رسول اللّه، وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي، قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئًا، فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة، فقال عمر: إليّ القضاء، وقال أبو عبيدة: وإليّ الفيء، قال عمر: فلقد كان يأتي عليّ الشهر ما يختصم فيه إليّ اثنان، انتهى. أخبرنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس ثنا أبو بكر بن عياش عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال: زيدوني، فإن لي عيالًا، وقد شغلتموني عن التجارة، قال: فزادوه خمسمائة، قال: فإما كانت ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين، وخمسمائة، وزادوه خمسمائة، انتهى. أخبرنا محمد بن عمر الواقدي ثنا عبد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان رجلًا تاجرًا يغدو كل يوم إلى السوق، فيبيع ويبتاع، فلما بويع للخلافة، قال: والله ما يصلح للناس إلا التفرغ لهم، والنظر في شأنهم، ولا بد لعيالي مما يصلحهم، فترك التجارة، واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه، ويصلح عياله يومًا بيوم، وكان الذي فرضوا له في كل سنة ستة ألاف درهم، فلما حضرته الوفاة، قال لهم: ردوا ما عندنا إلى بيت مال المسلمين، وإن أرضي التي هي بمكان كذا وكذا للمسلمين، بما أصبت من أموالهم، فدفع ذلك إلى عمر، فقال عمر: لقد والله أتعب من بعده، مختصر، وفي "مصنف عبد الرزاق" أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان معاذ بن جبل رجلًا سمحًا شابًا جميلًا: من أفضل شباب قومه، وكان لا يمسك شيئًا، فلم يزل يدّان حتى أغلق ماله، فأتى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يطلب إليه أن يحط عنه غرماؤه من الدين، فأبوا، فلو ترك لأحد من أجل أحد لتركوا لمعاذ من أجل النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فباع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كل ماله في دينه، حتى قام معاذ بغير شيء، فلما كان في عام فتح مكة، بعثه النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ على طائفة من اليمن أميرًا ليجيزه، فمكث معاذ باليمن أميرًا، وكان أول من أتجر في مال اللّه، فمكث حتى أصاب، وقبض النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وقدم في خلافة أبي بكر، فقال عمر لأبي بكر: دع له ما يعيش به، وخذ سائره منه، فقال له أبو بكر: إنما بعثه النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ليجيزه، ولست بآخذ منه شيئًا إلا أن يعطيني، فانطلق عمر إلى معاذ، فذكر له ذلك، فقال له معاذ مثل ما قال أبو بكر، فتركه، ثم أتى معاذ إلى أبي بكر، فقال: قد أطعت عمر، وأنا فاعل ما أمرني به، إني رأيت في المنام أني في حومة ماء، وقد خشيت الغرق، فخلصني منه عمر، ثم أتى بماله، وحلف أنه لم يكتم شيئًا، فقال له أبو بكر: والله لا آخذه منك، قد وهبته لك، فقال عمر: هذا حين طاب، وحل، قال: فخرج معاذ عند ذلك إلى الشام، قال معمر: فأخبرني رجل من قريش، قال: سمعت الزهري، يقول: لما باع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مال معاذ أوقفه للناس، فقال: من باع هذا شيئًا فهو باطل، انتهى. أخرجه في "البيوع"، وبعث علي إلى اليمن تقدم في "أدب القاضي"، وليس فيه أيضًا: أنه فرض له. - الحديث الأول: قال عليه السلام: - من أحيى أرضًا ميتة فهي له، قلت: روي من حديث عائشة، ومن حديث سعيد بن زيد، ومن حديث جابر، ومن حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص، ومن حديث فضالة بن عبيد، ومن حديث مروان بن الحكم، ومن حديث عمرو بن عوف، ومن حديث ابن عباس. - فحديث عائشة: أخرجه البخاري في "صحيحه [عند البخاري في "المزارعة - في باب من أحيى أرضًا مواتًا" ص 314 - ج 1، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 157 - ج 4، وزاد في رواية، فقال عمر بن عبد العزيز - يعني لعروة - : تشهد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال هذا؟ قال: أشهد أن عائشة حدثتني بهذا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأشهد أن عائشة ما كذبتني رواه كله الطبرااني في "الأوسط" باسنادين في أحدهما عصام بن داود بن الجراح، قال الذهبي: لينه أبو أحمد الحاكم، وبقية رجاله ثقات، انتهى.] في المزارعة" عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة، أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال: "من أعمر أرضًا ليست لأحد، فهو أحق" قال عروة: قضى به عمر في خلافته، انتهى. ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" بلفظ المصنف، فقال: حدثنا زهير ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "من أحيى أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق"، انتهى. وكذلك رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" حدثنا زمعة بن صالح عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعًا بلفظ أبي يعلى، ومن طريق الطيالسي رواه الدارقطني في "سننه" [عند الدارقطني في "الأقضية" ص 517.] ورواه ابن عدي، ولين زمعة، وقال: أرجو أنه لا بأس به، انتهى. - وأما حديث سعيد بن زيد: فأخرجه أبو داود [عند أبي داود "في الخراج - في باب إحياء الموات" ص 81، وعند الترمذي في "الأحكام" فيه: ص 178 - ج 1.] في "الخراج"، والترمذي في "الأحكام"، والنسائي في "الموات" عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن هشام بن عروة عن عروة عن سعيد بن زيد عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: من أحيى أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن هشام عن عروة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مرسلًا، انتهى. ورواه البزار في "مسنده"، وقال: لا نعلم احدًا قال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد، إلا عبد الوهاب عن أيوب عن هشام، انتهى. وهذا المرسل الذي أشار إليه الترمذي، أخرجه أبو داود [عند أبي داود في "الخراج - في باب إحياء الموات" ص 82 - ج 2.] من طريق ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال مثله، وزاد: قال عروة: فلقد خبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، غرس أحدهما نخلًا في أرض الآخر، فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، قال: فلقد رأيتها، فإنها لتضرب أصولها بالفؤوس، وفي لفظ آخر: فقال رجل من أصحاب النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ - وأكثر ظني أنه أبو سعيد - : فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل، انتهى. وأخرجه النسائي أيضًا عن الليث عن يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال، مرسلًا، وكذلك رواه مالك في "الموطأ [عند مالك في "القضاء - في عمارة الموات" ص 311.] - في كتاب الأقضية" أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال، فذكره. - وأما حديث جابر: فأخرجه الترمذي [عند الترمذي في الأحكام - في باب إحياء أرض الموات" ص 378 - ج 1]، والنسائي أيضًا، عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد اللّه أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال: من أحيى أرضًا ميتة فهي له، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، انتهى. وفي لفظ للنسائي بهذا الإسناد: من أحيى أرضًا ميتة فله فيها أجر، وما أكلت العافية منها، فهو له صدقة، انتهى. ورواه ابن حبان في "صحيحه" في النوع الأول، من القسم الأول، بهذا اللفظ عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر، ثم قال: وفي هذا الخبر دليل على أن الذمي إذا أحيى أرضًا ميتة لم تكن له، لأن الصدقة لا تكون إلا للمسلم، وأعاده في النوع الثالث والأربعين، من القسم الثالث، وقال: إن هذا الخطاب إنما ورد للمسلمين، لأن الصدقة إنما تكون منهم، قال: والعافية طلاب الرزق، انتهى. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا وكيع ثنا هشام بن عروة عن ابن أبي رافع عن جابر بن عبد اللّه، مرفوعًا. - وأما حديث ابن عمرو: فرواه الطبراني في "معجمه الوسط" حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور ثنا محمد بن عبد الواهب الحارثي ثنا مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد اللّه بن عمرو مرفوعًا، بلفظ حديث سعيد بن زيد، وقال: تفرد به مسلم بن خالد عن هشام عن أبيه عن عبد اللّه بن عمرو، انتهى. - وأما حديث فضالة: فرواه الطبراني في "معجمه" [قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 158 - ج 4: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، انتهى.] حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن فضالة بن عبيد، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: الأرض أرض اللّه، والعباد عباد اللّه، من أحيى أرضًا مواتًا فهي له، انتهى. - وأما حديث مروان بن الحكم: فرواه الطبراني في "معجمه الوسط" حدثنا موسى بن هارون ثنا حجاج بن الشاعر ثنا موسى بن داود ثنا نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن عبد الملك بن مروان عن مروان بن الحكم عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بلفظ حديث فضالة، وقال: تفرد به حجاج بن الشاعر. - وأما حديث عمرو بن عوف: فأخرجه ابن أبي شيبة، والبزار في "مسنديهما"، والطبراني في "معجمه" عن كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعًا، بلفظ حديث سعيد بن زيد، ورواه ابن عدي في "الكامل"، وأعله بكثير، وضعفه عن أحمد، والنسائي، وابن معين جدًا. - وأما حديث ابن عباس" فأخرجه الطبراني في "معجمه" عن عمر بن رباح عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس مرفوعًا، بنحوه، ورواه ابن عدي في "الكامل" فقال: عمر بن رباح مولى ابن طاوس يحدث عنه بالأباطيل لا يتابع عليه، ثم أسند عن البخاري أنه قال: عمر بن رباح هو ابن أبي عمر العبدي دجال، وكذلك نقل عن الفلاس، ووافقهما. - الحديث الثاني: قال عليه السلام: - "ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه"، قلت: رواه الطبراني، وفيه ضعف من حديث معاذ، وقد تقدم في "كتاب السير". - قوله: عن عمر رضي اللّه عنه أنه قال: ليس لمحتجر بعد ثلاث سنين حق، قلت: رواه أبو يوسف في "كتاب الخراج" حدثنا الحسن بن عمارة عن الزهري عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر: من أحيى أرضًا ميتة فهي له، وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين، انتهى. والحسن بن عمارة ضعيف، وسعيد عن عمر فيه كلام، وروى حميد بن زنجويه النسائي في "كتاب الأموال" حدثنا ابن أبي عباد ثنا سفيان بن عيينة عن ابن نجيح عن عمرو بن شعيب أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أقطع ناسًا من جهينة أرضًا، فعطلوها وتركوها، فأخذها قوم آخرون، فأحيوها، فخاصم فيها الأولون إلى عمر بن الخطاب، فقال: لو كانت قطيعة مني، أو من أبي بكر لم أردها، ولكنها من رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وقال: من كانت له أرض، فعطلها ثلاث سنين، لا يعمرها، فعمرها غيره، فهو أحق بها، انتهى. - قوله: وفي الأخير ورد الخبر، قلت: قال السغناقي [السغناقي هو حسين بن علي بن حجاج بن علي الإمام الملقب بحسام الدين الحنفي، شارح "الهداية" فرغ منه - على ما قال هو - : في أواخر ربيع الأول سنة سبعمائة، والسغناق: بلدة بتركستان، كذا في "الجواهر المضيئة"] في "الشرح الأخير" هو حفر البئر، ورد فيه الخبر، وهو قوله عليه السلام: من حفر من بئر مقدار ذراع، فهو محتجر، وهذا الحديث ما رأيته، ولا أعرفه، ولم أر من ذكره. - الحديث الثالث: قال عليه السلام: - من حفر بئرًا فله مما حولها أربعون ذراعًا، عطناُ لماشيته، قلت: روي من حديث عبد اللّه بن مغفل، ومن حديث أبي هريرة. - فحديث عبد اللّه بن مغفل: أخرجه ابن ماجه في "سنننه" [عند ابن ماجه في "باب حريم البئر" ص 181] عن عبد الوهاب بن عطاء ثنا إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عبد اللّه بن مغفل أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: من حفر بئرًا فله أربعون ذراعًا، عطنًا لماشيته، انتهى. وأخرجه أيضًا عن محمد بن عبد اللّه بن المثنى عن إسماعيل بن مسلم به، وذكره ابن الجوزي في "التحقيق" بالسند الأول فقط، وضعفه، فقال: وعبد الوهاب بن عطاء قال الرازي: كان يكذب، وقال العقيلي، والنسائي: متروك الحديث، انتهى. قال في "التنقيح": وهذا الذي فعله ابن الجوزي في هذا الحديث من أقبح الأشياء، لأن ابن ماجه أخرجه من رواية اثنين عن إسماعيل بن مسلم، فذكره، هو من رواية أحدهما، ثم إنه وهم فيه، فإن عبد الوهاب هذا هو الخفاف، وهو صدوق من رجال مسلم، والذي نقل فيه ابن الجوزي هو ابن الضحاك، وهو متأخر عن الخفاف، مع أن الخفاف لم ينفرد به عن إسماعيل، ولكن يكفي في ضعف الحديث إسماعيل ابن مسلم المكي، والله أعلم، قلت: صرح بنسبة الخفاف إسحاق بن راهويه في "مسنده" فقال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن إسماعيل بن مسلم به، ومن طريق إسحاق رواه الطبراني في "معجمه"، وأما تضعيفه بإسماعيل بن مسلم فقد تابعه أشعث، كما أخرجه الطبراني في "معجمه" عن أشعث عن الحسن عن عبد اللّه بن مغفل عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، نحوه. واعلم ان ابن الجوزي إنما تمحل في تضعيف هذا الحديث، لأنه احتج به لأبي حنيفة على أحمد في قوله: إن حريمها خمسة وعشرون ذراعًا، واحتج لأحمد بحديث أخرجه الدارقطني [عند الدارقطني في "الأقضية" ص 518.] عن محمد بن يوسف المقري ثنا إسحاق بن ابي حمزة ثنا يحيى بن أبي الخصيب ثنا هارون بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعًا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعًا، انتهى. قال الدارقطني: الصحيح مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم، قال في "التنقيح": قال الدارقطني محمد بن يوسف المقري، وضع نحوًا من ستين نسخة، ووضع من الأحاديث المسندة، والنسخ ما لا يضبط، وقد رواه أبو داود في "المراسيل" عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن الزهري عن سعيد مرسلًا، وهو الصواب، انتهى كلامه. - وأما حديث أبي هريرة: فرواه أحمد في "مسنده" حدثنا هشيم عن عوف عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: حريم البئر أربعون ذراعًا من جوانبها كلها لأعطان الإبل، والغنم، وابن السبيل، أو الشارب، ولا يمنع فضل ماء، ليمنع به الكلأ، انتهى. - الحديث الرابع: قال عليه السلام: - "حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم بئر العطن أربعون ذراعاُ، وحريم بئر الناضح ستون ذراعًا"، قلت: غريب، وأخرج أبو داود في "مراسيله" عن الزهري عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حريم البئر العادية خمسون ذراعًا، وحريم بئر البدي خمس وعشرون ذراعًا، قال سعيد من قبل نفسه: وحريم قليب الزرع ثلثمائة ذراع، وزاد الزهري: وحريم العين خمسمائة ذراع من كل ناحية، فهذا حريم ما يأذن به السلطان، إلا أن يكون القوم في أرض أسلموا عليها وابتاعوها، انتهى. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه - في أثناء البيوع" حدثنا وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن الشعبي عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فذكره بدون زيادة الزهري، وكذلك رواه عبد الرزاق في "مصنفه - في أواخر البيوع" أخبرنا محمد بن مسلم ثنا يحيى بن سعيد عن ابن المسيب، قال: جعل رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حريم البئر المحدثة خمسة وعشرين ذراعًا، وحريم البئر العادية خمسين ذراعًا، قال ابن المسيب: وأرى أنا حريم بئر الزرع ثلثمائة ذراع، انتهى. وأخرجه الدارقطني في "سننه" [عند الدارقطني في "الأقضية" ص 518.] عن الحسن بن أبي جعفر عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعًا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعًا، وحريم العين السائحة ثلثمائة ذراع، وحريم عين الزرع ثلثمائة ذراع"، انتهى. وابن أبي جعفر ضعيف، ثم أخرجه عن محمد بن يوسف المقري ثنا إسحاق بن أبي حمزة ثنا يحيى بن أبي الخصيب ثنا هارون بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن عبلة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه، وقال: الصحيح عن ابن المسيب مرسل، ومن أسنده فقد وهم، انتهى. وأخرج الحاكم في "المستدرك [في "المستدرك - في الأحكام" ص 97 - ج 4.] - في كتاب الأحكام" عن إسماعيل بن أمية عن الزهري عن سعيد بن المسيب يبلغ به النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: حريم قليب العادية خمسون ذراعًا، وحرريم قليب البادي خمسة وعشرون ذراعًا، انتهى. قال: وأسنده عمر بن قيس عن الزهري، ثم أخرجه عن عمر بن قيس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: حريم البئر العادية خمسون ذراعًا، وحريم البئر المحدثة خمسة وعشرون ذراعًا، انتهى. وسكت عنه، قال عبد الحق في "أحكامه": والمرسل أشبه. - قوله: وهو مقدر بخمسة أذرع، به ورد الحديث - يعني حريم الشجرة التي تغرس في أرض الموات - ، قلت: أخرج أبو داود في "سننه - [عند أبي داود في "آخر الأقضية" ص 156 - ج 2.] في آخر الأقضية" عن عبد العزيز بن محمد عن أبي طوالة، وعمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن الخدري، قال: اختصم إلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ رجلان في حريم نخلة، في حديث أحدهما: فأمر بها فذرعت، فوجدت سبعة أذرع، وفي حديث الآخر: فوجدت خمسة أذرع، فقضى بذاك، قال عبد العزيز: فأمر بجريدة من جريدها، فذرعت، انتهى. سكت عنه أبو داود، ثم المنذري بعده، ورواه الطحاوي في "شرح الآثار" [قال الطحاوي: المراد به النخلة التي تغرس في الموات، فيتملكه بأمر الامام، أو يتملكه من غير إذن بمجرد الاحياء، كما هو مذهب الشافعي، ومالك، وغيرهما، فيستحق بذلك ما لا تقوم النخلة إلا به، وهو الحريم الذي جعل لها في الحديث، اهـ . نقلًا من "المعتصر - باب حريم النخلة" ص 244] ولفظه: قال: اختصم رجلان إلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في نخلة، فقطع منها جريدة، ثم ذرع بها النخلة، فإذا فيها خمسة أذرع، فجعلها حريمها، انتهى. ومن جهة الطحاوي ذكره عبد الحق في "أحكامه"، قال: قال أبو داود: خمسة أذرع، أو سبعة، انتهى. - حديث آخر: أخرجه الحاكم في "المستدرك [في "المستدرك في الأحكام" ص 97 - ج 4.] - في كتاب الأحكام" عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قضى في النخلة أن حريمها مبلغ جريدها، انتهى. وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأخرجه الطبراني في "معجمه" عن محمد بن ثابت العبدي عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ جعل حريم النخلة مدّ جريدها، انتهى. وأخرجه أبو داود في "المراسيل" عن عروة بن الزبير، قال: قضى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في حريم النخلة طول عسيبها، انتهى. -
|